بمتابعة الصور القادمة من مصر بعزلها عن تحرير وسائل الاعلام المتباينة لها , والاهم من ذلك عزلها عن ما هو قابع في خطابك واعماقك من مواقف مسبقة كمتلقي : تشاهد مصر , صادقة ومفعمة بالحركة والحياة , فالذي فقد عزيزا في هذا العمل الاجرامي لن يقبل سلوكا وحلا معلبا لمجرد انه حل مثالي على الورق وفي الخطاب العام , ولذلك رفض "الاقباط" اقتراح "المحظورة" بمشاركة اخوانهم "المسلمين" لهم في احتفالات الميلاد التالية لحمايتهم من احتمالية عمل اجرامي آخر .. ولهم كامل الحق و(التفهم) في ذلك. فقد اختاروا منذ اللحظة الاولى ان لا يلغوا هذه الاحتفالات , اختاروا التحدي واستمرارية الحياة على الخوف والترقيع. اختاروا ككل المصريين : مصر كما هي , فأنت لا تضع اشتراطات على حبك لأمك وابنائك.
الكاتب الامريكي ادوارد سعيد , "الفلسطيني: الاب , المصري : الأم" اصلا , كتب اهم كتاب كوني في القرن العشرين المنصرم (الاستشراق) , ولا تكمن اهميته في عدد طبعاته او تقريض النقاد له , بل في احداث ثورة في المنهج , وادق وصف له "تكسير الارضية" , بمعنى اعادة التفكير فيما نعتقد انه تاريخ وعلم في نظرتنا لأنفسنا والعالم من حولنا , وللأسف فاءن السواد الاعظم من القراءآت العربية لهذا الكتاب وغيره من كتب المؤلف وصلت (معكوسة) لعقل واحساس الخطاب العربي .. كهامش للاستشراق كتب سعيد (تغطية الاسلام) ولم يكن هذا الكتاب اكثر حظا في تلقي الخطاب العربي له : فقد كتب في حقبة "انتصار الثورة الايرانية" وفهم عربيا كشرعية لما جاءت به هذه "الثورة" وتعميق للسلبية تجاه من اعتبرتهم هذه "الثورة" خصوم لها : امريكا؟! .. في الحقيقة - حتى خصوم سعيد - الفوا كتبا عن اغتيال الخطاب العربي له بتمجيدة والتصفيق له.
الآن , وهنا : ماذا عن تغطية مصر في الاعلام العربي المعاصر "الجزيرة واخواتها" مثالا؟! .. يكفي ان نذكر ان "افتتاحية القدس العربي : عبدالباري عطوان اللندنستاني" جمعت كافة هذه الصور وعزفت على كافة الاحاسيس , واختزلت الأمر ليس في سلبيات "النظام" فحسب , بل في استثناء "المحظورة" من حقها "المفترض والمضخم اكثر من مصر" في الحكم؟! .. وهذا يجعل الجريمة بالنتيجة ليس فقط مشروعة , بل بطولية ايضا؟! .. في نفس اليوم اعطت الجزيرة اكبر ميكرفوناتها لعضو المحظورة "عبد المنعم ابوالفتوح" ليقترح مشاركة "المسلمين" اخوانهم فعاليات عيد الميلاد التالية , ولتجد رفض "المجلس الملي القبطي" في اليوم التالي عنوانا رئيسا في "القدس العربي" , وهذا يجعل الضحية "الاقباط" : المجرم؟!
اوروبا الغربية , ليس فقط صغيرة , بل مأزومة ايضا واقل استقرارا من مصر , فالاضرابات الفرنسية كانت تكلف الدولة (500$) مليون يوميا , والطليان احرقوا روما عشية اغتصاب احتكار بيرلسكوني للاعلام : الديمقراطية - هلا احرقتم الجزيرة وقطر حمد آل سكند؟! - , اما بريطانيا فقد طال الغضب كافة "انبيائها" : فبال الطلبة على تمثال تشرشل ومزقوا علم الامبراطورية المتعفنة على قمة نصب شهدائها , والقوا بأنابيب الاطفاء المعدنية الثقيلة بهدف الايذاء في مقر "حزب المحافظين" رمز عراقة دينها "العلماني", وبصقوا في وجه الامير وزوجته : الملكية المتواصلة التعفن منذ وفاة (الليدي ديانا) .. وانتظروا المحطة الايرلندية : فكما اعتبرت اليابان معجزة الثمانينات الاقتصادية , اعتبرت ايرلندا معجزة النهضة الاقتصادية بعد "السلام" فعاد الايرلنديون من المنفى ببلايين الدولارات وبنوا احدث المباني واقتنوا احدث السيارات , والاسبوع الماضي فقط اجتمع ساركوزي وميركل لضخ مئآت بلايين الدولارات في اقتصاد ايرلندا لتلافي وصول قطار الغضب الى ايرلندا التي ستجعل مما حدث في لندن وباريس وروما مجرد نزهة .. ومما زاد الطين بلة حاولت السلطات الايرلندية حل مشكلة تجمد المياه بتسخين الانابيب , فانفجرت هذه الانابيب : مما ادى الى ضخ بلايين اخرى لنقل المياه برا من الدنمارك لتلافي هبة الايرلنديين .. قبل حادثة السويد بثلاث ايام سخنت "الجزيرة" قطيعها بتذكيرهم بحكاية الرسوم المسيئة عبر تقرير "انشائي لا يمت للحقائق بصلة" حول وكيليكس : فامريكا لا تحترم حق اسوناج في التعبير , وتحترم حق الرسام الكاركتوري الدنماركي ؟! .. ثم يأتي هذا "الضحية" العراقية ليقتل نفسه فقط في السويد : لتتوسع لندنستان في التغطية : فالانتحاري زار "الاردن" في الشهر الأخير وتلقى تعليمات مباشرة من (ابوعمر البغدادي) .. المرحوم ما غيره - ذلك في الايكونوميست البريطانية الرصينة؟! - وحكاية كاركاتير سويدي , حتى الضحية لم يسمع به , و(نية) : بثلاث عمليات , وليس واحدة , فهنالك سيارة وحقيبة وحزام ناسف : فاوروبا (محظوظة) والمسلمين بمنتهى الغباء والعصابية وقلة الحيلة؟!
خارج "اوروبا الغربية" وامتدادها المستمر في الخطاب الاعلامي العربي , لا أحد اشترى قصة "الارهاب الاسلامي" في السويد ثم لندن ثم الدنمارك في اسبوع واحد , فاليسار الاوروبي اوصل هدايا "عيد الميلاد" الى العنوان الصحيح في اليونان وفي ايطاليا بيرلسكوني , جاعلا من "القاعدة" ما هي حقا : حالة متحكم بها بحيث لا تؤذي الا العرب والمسلمين , وفي نفس الوقت تبقيهم عبر الخطاب الاعلامي وسط هلامي وآنية مستطرقة لتصدير ازمات "اوروبا الغربية" والتغطية على تعفنها وازماتها, فاوروبا الغربية الاكثر رعبا من مشكلة (الانفجار السكاني) الكونية على حساب رفاهها ومكانتها وتحكمها , بابقاء المهاجرين الشرعيين لها اقل من مواطنين , واذا تمت ابادتهم قبل ان يفكروا في الهجرة في عالم بات مفتوحا , فاحسن واحسن .. أما العالم "امريكا , كندا , استراليا , روسيا .." فشاهد عدوان على مصر وعدوان على استقرارها عبر تفعيل الاحتقانات الموجودة في كل مجتمع , واوروبا الغربية وحدها التي شددت الحراسة على الكنائس القبطية واقترحت عقوبات على الدول التي "لا تراعي حقوق الاقليات" والتجربة الأليمة المعروفة لهكذا اقتراحات "العراق مثالا" ستضر بالضحايا (الاقباط) اكثر من غيرهم لا محالة . على العرب ان يدركوا اننا نعيش في حقبة (دولة السوق) والارهاب (سوق) : فلا يوجد سلعة في العالم الا ومرت عبر عدة ايدي في عدة دول : فالتمويل يأتي من هنا وهناك , وكذلك الموتور والبودي .. الى الغماز لتصبح سلعة , وكذلك (الارهاب) فالانترنت والاعلام جزء لا يتجزأ من هذه الصناعة... اشتركت فتاة لعوب في احدى مدوناتي , فجاءتي هذه المعلقة حول "التعقيم" الاسلامي المطلوب , وحزمة طويلة عريضة من فيديوهات الخطب والدروس الدينية والفتاوي .. هذا (المسكين) وامثاله الكثر يعتقدون انهم في مركز "الحق" وعلى قمة "العالم" : ولكن مهما جمعوا واجتهدوا , يبقون في هذه والآخرة عميانا, وأسرى مصيدة "الفئران البلقانية" : ما رأيك؟
قرر مجتمع مسلمي نيويورك اقامة مركز قرطبة , والذي يشمل مكتبة وقاعات عامة وحضانة وملعب اطفال وبركة سباحة ومسجد , واشتروا الارض المطلوبة قرب حطام برجي التجارة وحصلوا على الترخيص المطلوب ومباركة محافظ نيويورك ومجلسها بغالبية (19 -1) .. مع الانتخابات التشريعية دخل الموضوع في النقاش العام وانقسم المسلمون الامريكيون كما المجتمع الامريكي عند المنتصف , الرئيس اوباما اتخذ موقفا حياديا , ولكن في افطار للجالية الاسلامية في رمضان اتخذ موقفا مؤيديا مختارا كلماته بدقة , ومن طبيعة الامور ان يؤدي ذلك الى القاء ضوء اكبر على المسألة ودخول توازنات عولمية .. أما عندما جاء "القس تيري جونز" بتفاهة "حرق القرآن" : ((اجمع)) الكل الأمريكي ان هذا (الاحمق) قد ذهب بعيدا جدا جدا - في الحقيقة احتل الموقع الثالث في تصنيف "الطماطم المتعفنة" لعام 2010 , بعد شركة النفط البريطانية التي لوثت المحيط بجشعها واهمالها , ونجمة فنية قتلت قطتها والقتها في الحاوية فالتقط "طبيعتها الحقيقية" كاميرا هاتف نقال , فالانترنت .. امام مسجد فلوريدا - مثلي - مؤيد لنقل مشروع قرطبة مسافة كافية لاغلاق الملف زار هذا "الاحمق" الذي اقترح مبادلة "حماقته" وقد اصبحت "استثمار اعلامي" بمناقشة اقتراحة مع القائمين على المشروع , فرافقه الامام في رحلة لنيويورك : فعاد منها بخفي حنين واقرار بحماقته : ففض مولده وباع عقار الكنيسة واختفى. وبعد ان وضعت الانتخابات اوزارها : استضاف "بيل اورالي" الكوميدي "دينيس ميلر" على قناة "فوكس" وثلاثتهم كانوا اشد المعارضين والمؤججين لمشروع "المسجد" , وعدلوا موقفهم الى "اذا نبذ القائمون عليه الارهاب : وهو معطى مسبق" فانهما سيتطوعان في بناء المسجد وفي نفس المكان , وصورتهم الكاميرا بلباس وخوذات عمال البناء , فالمسألة في العام بقيت سياسية واعلامية وتجاذب انتخابي , ولم تصل الى عقيدة ولاهوت , الا بأحمق منبوذ كتيري جونز , الذي يستحق الشفقة على حاله , اكثر من الصلب.
مصر , كما الاسلام : دين البساطة والوضوح القاطع , دين الفطرة : فلا تساهل ولا عنف في الاسلام اصلا , ليكون هنالك "وسطية" و"برغماتية" تسقطان على ما لانهاية من النقاط باختلاف البشر الطبيعي بما يتجاوز (التوحيد) و(التثليث) ايضا .. بعيدا جدا جدا , الى المنطقة التي ذهب اليها الاحمق "تيري جونز" , تغطية مصر ام الدنيا , ام معاركنا الكبرى والزمن الخصب ليس حتى غير دقيق وغيرعادل فحسب , بل اجرامي وفاسد الى ابعد الحدود .. وكلكم على ايديكم دماء ملايين الضحايا العرب والمسلمين والاقباط , الى حين الابصار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق