الجمعة، 27 نوفمبر 2009

شطرنج ثلاثي الابعاد : الارهاب والمقاومة





set in their studious corners, the players move the gradual pieces until dawn, the chessboard keep them in its strict confinement with its two colors set daggers drawn. within the game itself the forms give off their magic rules: Homeric castle, knight swift to attack, queen warlike, king decisive, slanted bishop, and attacking pawns. eventually, when the players have withdrawn, when time itself has finally consumed them, the ritual certainly will not be done. it was in the East this war took fire, today the whole earth is its theater, like the game of love, this game goes on forever. Faint-hearted king, sly bishop, ruthless queen, straightforward castle, and deceitful pawn over the checkered black and white terrain, they seek out and begin their armed campaign. they do not know it is the player’s hand that dominates and guides their destiny, they do not know an adamant fate control their will and lays the battle plan. the players too is captive of caprice on another ground where black nights alternate with whiter days. God moves the player, he in turn the piece, but what god beyond God begins the round of dust and time and sleep and agonies

Jorge Luis Borges

أحد اهم الدوريات (الالمانية) في الدراسات الاستراتيجية , عرفت النظام العالمي الذي (نعيش) والذي تشكل عقب انتهاء (الحرب الباردة) بشطرنج ثلاثي الابعاد .. واهم فيلسوف معاصر في (القانون) على حد تعبير هنري كيسنجر (Philip Chase Bobbitt) يبدأ وينهي كل فصل من كتابه (Terror and Consent) بقصيدة ويضمن معظمها قصائد اخرى لشعراء معاصرين - وليس مشهورين على الطريقة العربية - فالمسألة (الارهاب) وليست (الارهابيين) حيث العلاقة داخلية وخارجية وغير محددة المعالم .

حصل مراسل (ABC) على تصريح لمقابلة معتقلي "القاعدة" في السجون العربية والاسلامية والغربية , ومعظم هؤلاء ذوي تفكير عقلاني ومنطقي ولديهم القدرة على فلسفة تجربتهم وتبريرها وهم في حقيقة الامر ليسوا (قاعدة) .. انهم هؤلاء الذين رأوا في احتلال العراق تهديد لهويتهم وامتهان لكرامتهم (ومعظمهم لم يأتوا من خلفية متدينة , او كادحة , او امية) , وفي حين تعرض القاعدة "امارة العراق الاسلامية" توزيعها اغذية "ذبائح" على العراقيين كانجاز "دعاية" لها - وهذه صورة مسيئة جوهريا - , فحقيقة الامر من شهادات هؤلاء ان الشعب العراقي كان يزودهم بالطعام والمأوى (وهذا مظهر مقاوم اصيل ورفيع) .. ومن هؤلاء اعضاء (فريق كرة قدم) محلي سعودي عبروا الحدود الى العراق فوقعوا في يد (القاعدة) ورفضوا مبدأ اعدادهم كاستشهاديين (انتحاريين) على الرغم من وجود القدرة لديهم والارادة عندهم للقتال ومواجهة احتمال الموت (الاستشهاد) , وانتهى بهم الامر بقبول أقل (المصيبتين) وهي العودة للسعودية والانتهاء الى (السجن) .. اما الذين وصولوا للعراق بدافع مقاومة الاحتلال فقد انجروا الى العنف الطائفي (سني - شيعي) وكل خطوة خطوها في هذا الاتجاه لم يشكوا في حينها بانها الخطوة الصحيحة , وفي نفس الوقت يشعرون بالاسى والغضب لما انتهت اليه الامور بالنتيجة .

عندما تناقلت وسائل الاعلام منذ بضعة شهور فقط انتقال احد ابناء بن لادن الى المناطق الحدودية بين افغانستان وباكستان عبر خبر يرجح مقتله , تبين ان ثلثي الصف الاول من القاعدة مقيم في (ايران) منذ احتلال افغانستان , وان قائمة ب (18) من هؤلاء قدمت للأدارة الامريكية اكثر من مرة لتسليمهم مقابل ترتيبات بشأن (مجاهدي خلق) في العراق ولم تنجح اي من هذه العروض , الا انها تؤكد ان اسماء بارزة من مثل (سيف العدل , حمزة بن لادن , ابو يحيى الليبي) لم يغادروا ايران منذ احتلال افغانستان .. وبمراجعة ملف (ابو مصعب الزرقاوي) نرى انه جند (فور اطلاق سراحه من سجن اردني) في (بلوشستان : ايران) وتم تدريبه (كردستان : العراق) وعندما اصيب بجرح بليغ في ساقه في ذروة شهرته (الحاجة له) نقل ليعالج في ايران قبل اعادته للميدان , وهنالك تقارير علمية تشير الى ان عمليات الذبح التي نفذها ومجموعته كانت تتم داخل جدران ابو غريب بمقارنة التسجيلات والصور .. ومن النقاط المهمة التي اثارها (Philip Bobbitt) في (Terror and Consent) ان الذين تم ذبحهم من (الغربيين) , ناهيك عن مئآت الاضعاف من المدنيين العراقيين : (Nicholas Berg , May12,2004) و (Fadhel Ibrahim & Firas Imeil , Sept 28, 2004) و (Eugene Armstrong , Sept 20,2004) و (Jack Hensly , Sept 21, 2004) كانوا عمال اغاثة او صحفيين مستقلين وعلى الجانب المعارض للحرب والاحتلال وفي الغالب مواطني دول ان لم تعارض الحرب رسميا , فهي تحتوي على غالبية شعبية معارضة لها , والاكثر اشكالية والقول ل (Philip Bobbitt) هو اعدام (Margaret Hassan,Oct 7, 2004) التي تعتبر عراقية اكثر منها ايرلندية لطول اقامتها في العراق وسجلها الحافل بمعارضة التدخل الاجنبي في العراق لعقود , بالاضافة الى اشكالية اخرى اكثر (مأساوية) وهي تغطية (قناة الجزيرة) التي اضافت على الحدث الاجرامي اجرامية اخرى , فهنالك تحوير في انتاج الشريط لاخفاء المنفذين , ثم تشويش على مطلب اطلاق النساء العراقيات السجينات , وتغطية ونشر (التعذيب) حيث تنهار وترشق بالماء ويعاد اجلاسها على كرسي (التعذيب) لتكملة الشريط , على حد تعبير Philip Bobbitt) (Hitherto undetected editorial delicacy)؟!

فيما يتعلق بتصفية (ابو نضال) فقد تم (علنا) على يد السلطة العراقية (حكم صدام حسين) , التي على الرغم من مسايرة الخطاب العربي لحشده في حالة فشلت الجهود لتجنب الحرب , فقد حاولت بكل السبل تجنبها , ولكن التحريك كان اكبر واقوى واحد مفاصله (احتضان السلطة لابو نضال وجماعته) .. وهنا اسجل نقطتين هامتين على هامش هذا الموضوع :

1) مع انتهاء الحرب الباردة وتشكل نظام عالمي جديد حدث تحول جذري في مفهوم (الدولة) ودورها , بالانتقال الى (دولة السوق) و (الارهاب) هو احد (دول السوق) العالمية , فصناعة الحرب والامن كما صناعة الرأي العام والاعلام وكافة الصناعات الاخرى عابرة للحدود وتتوازى وتتقاطع وتتعارض وتتنافس عند اكثر من نقطة , وكمثال : نشاطات (القاعدة) ضد الشيعة في ايران تعزز ميل ارتباط هؤلاء بها , وفي نفس الوقت تقلل الضغط على قوات الاحتلال الامريكية (جريمة ابو غريب) , وهذه الممارسة تولد رد فعل في كل من امريكا وايران والعراق متحول مع الزمن وفق حسابات الربح والخسارة (كأي سوق) .. كما انه غير معزول عن مساهمات محلية واقليمية وعالمية تؤخذ بعين الاعتبار بحسب حجمها وفاعليتها .

2) اللاجىء في كل زمان ومكان , عرق او دين , هو مقتلع ومجتث ومنتقص الحقوق الاساسية للانسان , وعمليا (وباهمال مثالية الخطاب العربي الجوفاء) هو عرضة للاستخدام والتوظيف من قبل قوى محلية واقليمية ودولية (والفلسطينيين ليسوا استثناء كغيرهم) .. وان كانوا اكثر حظا بمتعلق تطور آليات (الاستخدام والتوظيف) مع الزمن , والتعويم القومي والاسلامي لقضيتهم كان دوما ذو مردود سلبي , وحقيقة الامر ان اعلى نقطة وصلها الكفاح الفلسطيني كانت (الانتفاضة الاولى في الثمانينات) وافضل تقدم في مجال السيادة والسياسة كان (اعلان الاستقلال "الجزائر" وارتقاء وعيهم الى مستوى "القرار الوطني المستقل") .. ولكن ما نشهده الآن بتأثير جمالية مفاهيم متقادمة (القومية) واخرى حديثة (الاسلام السياسي) هو انها تنشط باتجاه توسيع دائرة الاغتراب الداخلي (لاجىء واقعي : Virtual) فهنالك شريحة تتسع وتعرف نفسها وانتماءها بعيدا عن مجتمعها وبيئتها وحقوقها الانسانية والدستورية (العملية) , وهؤلاء مادة خصبة لسوق (الارهاب)

الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

راشيل كوري : غزة التي لا تموت


يقول إدوارد سعيد في مقال نشر (السفير , الحياة , الاهرام : ثم جمعت في كتاب) :
في مطلع مايو الماضي، كنت فى سياتل لإلقاء محاضرات على مدى بضعة أيام. وأثناء وجودي هناك، تناولت العشاء مع والدي راشيل كوري وشقيقتها الذين كانوا لا يزالون فى حال صدمة منذ جريمة قتل ابنتهم فى 16 مارس الماضى فى غزة ببلدوزر إسرائيلى. وأبلغني السيد كوري أنه شخصيا كان يقود بلدوزرات، لكن البلدوزر الذي قتل ابنته بصورة متعمدة، لأنها كانت تحاول ببسالة أن تمنع تدمير منزل فلسطينى فى رفح، كان شيئًا ضخما يزن 60 طنًا صممته <<كاتربيلر>> خصيصا لتدمير المنازل، وهو ماكينة أكبر بكثير من أي شيء سبق أن شاهده أو قاده. واستوقفني شيئان بشأن زيارتي القصيرة ولقائي والدي كوري:
الأول : هو ما قالاه عن عودتهما إلى الولايات المتحدة مع جثمان ابنتهما. فقد اتصلا فورا بعضوي مجلس الشيوخ عن ولايتهما (باتي موراي وماري كانتول) وكلاهما ديموقراطي، وأبلغاهما ما جرى وتلقيا التعابير المتوقعة عن مشاعر الصدمة والحنق والغضب ووعودا بإجراء تحقيق، لكن منذ عودة كلتا المرأتين إلى واشنطن لم يسمع والدا كوري أي شيء آخر منهما، ولم يجر التحقيق الموعود. فكما هو متوقع، تولى اللوبي الإسرائيلي توضيح الحقائق لعضوي مجلس الشيوخ، وتراجع كلاهما عن وعوده. هكذا، قتلت مواطنة أميركية بصورة متعمدة على أيدي جنود دولة تابعة للولايات المتحدة من دون أن يثير ذلك ولو مجرد احتجاج رسمي خافت أو حتى إجراء التحقيق المطلوب الذي وعدت به عائلتها.
لكن الجانب الثاني والأهم بكثير فى حكاية راشيل كوري بالنسبة إليّ كان موقف الشابة ذاته، المتصف بالبطولة والشعور بالكرامة فى الوقت نفسه. ولدت راشيل ونشأت فى أوليمبيا، وهي مدينة صغيرة تبعد 60 ميلاً جنوب سياتل، وانضمت إلى <<حركة التضامن العالمية>> وذهبت إلى غزة للوقوف إلى جانب بشر معذبين لم تكن لها أي صلة بهم من قبل. وتمثل الرسائل التي كانت تبعث بها إلى عائلتها وثائق رائعة حقًا عن إنسانيتها العادية، وتترك قراءتها أثرا عميقا فى النفس، خصوصا عندما تصف مشاعر الود والقلق التي كان يبديها إزاءها كل الفلسطينيين الذين تصادفهم. ويبدو واضحا أنهم كانوا يرحبون بها كواحدة منهم، لأنها تعيش معهم كما يفعلون تماما، تقاسمهم حياتهم ومخاوفهم، بالإضافة إلى فظائع الاحتلال الإسرائيلى وآثاره المروعة حتى على أصغر طفل. إنها تعي مصير اللاجئين، وما تسميه المحاولة الغادرة من قبل الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ نوع من الإبادة يجعل إمكان بقاء هذه المجموعة من البشر على قيد الحياة شيئا يكاد يكون مستحيلاً. ويهز تضامنها المشاعر إلى حد أنه يلهم جندي احتياط إسرائيليا اسمه داني كان رفض أداء الخدمة العسكرية أن يكتب إليها قائلاً: <<إنك تقومين بشيء جيد. شكرا لما تفعلينه>>.
وما يبرز بقوة عبر كل الرسائل التي بعثت بها إلى عائلتها والتي نُشرت فى وقت لاحق فى صحيفة <<الغارديان>> البريطانية هو المقاومة المدهشة التي يبديها الفلسطينيون أنفسهم، أولئك البشر العاديون الذين حشروا فى وضع شنيع للغاية من المعاناة واليأس ولكنهم يواصلون الصمود على رغم ذلك.
من رسائل راشيل كوري :

(7فبراير 2003 ) :
تحية للأصدقاء والعائلة والآخرين،
أنا في فلسطين منذ أسبوعين وساعة واحدة ولا زلت لا أملك من الكلمات ما يصف الذي أراه .. من الصعب عليّ أن أفكر في ما يحدث هنا وأنا جالسة أكتب للولايات المتحدة. إنه شيء لا علاقة له بالبوابة الافتراضية للرفاهية، لا أعلم إن كان أي من الأطفال هنا قد عاش بدون ثقوب أحدثتها طلقات الدبابات فى حيطان بيوتهم أو أبراج جيش محتل تراقبهم باستمرار من المدى القريب وأظن وإن كنت غير واثقة أنه حتى أصغر هؤلاء الأطفال يعلم أن هذا ليس شكل الحياة فى كل مكان .. قتل طفل فى الثامنة بنيران دبابة إسرائيلية قبل أن أصل هنا بيومين، والكثير من الأطفال يتمتمون باسمه <علي> أو يشيرون إلى الملصقات التي تحمل صورته. يحب الأطفال كثيراً أيضاً أن يجعلوني أمارس لغتي العربية المحدودة بأن يسألوني: <كيف شارون؟> , (كيف بوش) ؟ .. فأضحك وأقول: <<بوش مجنون!>>، <<شارون مجنون!>> .. طبعاً هذه ليست قناعتي. وبعض الكبار الذين يعرفون الإنكليزية يصححون لي: <<بوش ليس مجنونا بوش بزنس مان>> .. اليوم حاولت أن أتعلم أن أقول:<<بوش أداة!>> ولكنني لا أظن أنني ترجمتها بالشكل الصحيح. يوجد هنا أطفال فى الثامنة أكثر دراية مما كنت أنا عليه قبل بضع سنوات بآليات القوى الدولية .. على كل حال، لا توجد إمكانية للقراءة أو حضور المؤتمرات أو مشاهدة الأفلام التسجيلية أو الاستماع إلى الآخرين، مما كان سيساعدني لمعرفة حقيقة الوضع هنا، والذي لا يمكن لك تخيله حتى تراه. وحتى عند ذلك فأنت تعلم أن اختيارك له ليس هو الحقيقة: فهناك الصعوبات التي سيواجهها الجيش الإسرائيلي إذا أطلق النار على مواطن أميركي غير مسلح، وحقيقة أن لدي المال لأشتري الماء عندما يدمر الجيش الآبار، وبالطبع حقيقة أن عندي اختيار الرحيل. لم يتم إطلاق الصواريخ على سيارة أحد أقربائي من برج في نهاية شارع رئيسى في بلدتنا .. لدي منزل. ويسمح لي بالذهاب لمشاهدة المحيط. عندما أغادر المنزل إلى المدرسة أو العمل يكون لدي يقين نسبي أنه لن يكون هناك جندي مدجج بالسلاح عند حاجز فى منتصف الطريق بين <<مد باي>> ووسط مدينة <<أوليمبيا>> يملك القدرة على تقرير إن كنت سأمر أم لا، وإن كنت سأعود إلى المنزل عندما أنتهى من عملي .. بعد كل هذا الهذيان أنا فى رفح مدينة فيها حوالى 140 ألف نسمة 60 بالمئة منهم تقريباً لاجئون، والكثير منهم لاجئون لثاني أو ثالث مرة اليوم. مشيت فوق الركام حيث كانت توجد بيوت. صاح بي الجنود المصريون من الجانب الآخر للحدود: <<ابتعدي!.. ابتعدي!>> لأن دبابة كانت تقترب، ثم أشاروا لي وسألوني: <<ما اسمك؟>> يوجد شيء مقلق فى هذا الفضول الودي. ذكرني هذا بأننا جميعاً أطفال إلى حد ما ونملك فضولاً تجاه الأطفال الآخرين .. أطفال مصريون يصيحون لامرأة تمر فى طريق الدبابات. أطفال فلسطينيون تطلق عليهم نيران الدبابات عندما يطلون من وراء الحيطان ليشاهدوا ما يجري. أطفال دوليون يقفون أمام الدبابات حاملين رايات. وأطفال إسرائيليون مجهولون يصيحون أحياناً ويلوحون أحياناً الكثير منهم أجبروا على المجيء إلى هنا والكثير منهم عنيفون يصوبون نيرانهم على البيوت بينما نحن نمر.
تواجهني مشاكل فى التوصل إلى أخبار العالم الخارجي ولكني أسمع أنه لا مفر من تصعيد الحرب على العراق. يوجد الكثير من القلق هنا حول <<إعادة احتلال غزة>>. غزة محتلة يومياً بدرجات متفاوتة ولكني أظن أن الخوف هو أن الدبابات ستدخل إلى كل الشوارع وتبقى هنا بدلا من الدخول إلى بعض الشوارع للمراقبة وإطلاق النار من أطراف التجمعات السكنية ثم الانسحاب بعد بضع ساعات أو أيام. إن لم يكن الناس يفكرون فعلاً في عواقب هذه الحرب على سكان المنطقة بأكملها فآمل أن يبدأوا الآن.
مع حبي للجميع. مع حبي لأمي. مع حبي إلى سنوتش. مع حبي إلى إف جي وبران هير وسيساميز ومدرسة لنكون. مع حبي لأولمبيا .... (راشيل)

(27 فبراير 2003)
إلى أمي : أحبك. وأشتاق إليك حقاً .. تأتيني كوابيس أن دبابات وبلدوزرات خارج بيتنا وأنت وأنا بالداخل .. أحيانا يعمل الأدرينالين كمخدر لبضعة أسابيع وبعد ذلك في المساء أو في الليل يصدمني الواقع مرة أخرى، بعض من حقيقة الموقف. أنا خائفة حقاً على الناس هنا. بالأمس رأيت أبا يقود طفليه الصغيرين جداً ممسكا بيديهما، وفى الخارج على مرأى من الدبابات وبرج القناصة وبلدوزرات وعربات الجيب لأنه ظن أنهم سيفجرون بيته. أنا وجني بقينا في البيت مع عدة نساء ورضيعين. لقد كان خطؤنا فى الترجمة هو الذي أدى به إلى الاعتقاد أن منزله سيفجر. الحقيقة أن الجيش الإسرائيلي كان يهم بإبطال مفعول متفجرات بالأرض القريبة زرعتها على ما يبدو المقاومة الفلسطينية .. هذه هي المنطقة التي جمع فيها 150 رجلاً وحشروا خارج المستوطنة بينما النيران تطلق فوق رؤوسهم وحولهم وبينما الدبابات والبلدوزرات تدمر 25 صوبة "مزرعة صغيرة": مصدر رزق 300 شخص. المتفجرات زرعت أمام الصوبات. أمام مدخل الدبابات إذا أتت مرة أخرى. كنت مرعوبة من فكرة أن هذا الرجل يرى فى المشي أمام الدبابات مع أطفاله مخاطرة أقل من البقاء في منزله. كنت خائفة من أن النار ستطلق عليهم جميعاً. وحاولت الوقوف بينهم وبين الدبابات. إن هذا يحدث كل يوم، ولكن مجرد خروج هذا الأب مع طفلين صغيرين يبدو عليهم الحزن الشديد لفت نظري أكثر في تلك اللحظة بالذات، غالباً لأني شعرت بأن مشاكلنا في الترجمة هي التي دفعته الى الخروج .. فكرت كثيراً في ما قلته على الهاتف عن أن عنف الفلسطينيين لا يساعد الموقف. 60 ألف عامل من رفح كانوا يعملون في إسرائيل من سنتين. الآن لا يستطيع إلا 600 عامل الدخول إلى إسرائيل للعمل. انتقل العديد من هؤلاء لأن الحواجز الثلاثة ما بين هنا وعسقلان (أقرب مدن إسرائيل) تجعل الرحلة التي كانت تستغرق 40 دقيقة بالسيارة تستغرق 12 ساعة الآن وأحياناً تكون رحلة لا يمكن قطعها .. بالإضافة إلى ذلك فإن ما كانت رفح تتطلع إليه فى العام 1999 على أنه مصادر للنمو الاقتصادي دمر تماماً الآن. مطار غزة الدولي (الممرات دمرت، مغلق تماما) الحدود التجارية مع مصر (عليها الآن برج عملاق لقناص إسرائيلي فى منتصف المعبر) المنفذ إلى البحر (قطع تماماً فى السنتين الأخيرتين بنقطة تفتيش ومستوطنة غوش قطيف) عدد المنازل التي دمرت فى رفح منذ بدء الانتفاضة الحالية يتجاوز الستمئة وهي في الغالب لأناس لا علاقة لهم بالمقاومة ولكن حدث أن امنهى بهم الامر للسكن على طول الحدود، أظن أن رفح أفقر مكان في العالم رسميا الآن. كانت هناك طبقة وسطى لم تعد موجودة .. حصلنا أيضا على تقارير تفيد أنه فى السابق كانت شحنات الزهور الغزاوية تعطل عند معبر أرينز لمدة أسبوعين للتدقيق الأمني، يمكنك أن تتخيلي قيمة زهور قطفت من أسبوعين في السوق الأوروبية. وتأتي البلدوزرات لتقتلع مزارع الخضروات والحدائق، ماذا تبقى للناس؟.. قولي لي أنت إن استطعت التفكير بشيء بقي. أنا لا أستطيع. إذا تعرض أي منا لخنق حياته واستقراره، أن يحيا الأطفال في مساحة متضائلة نعلم فيها عن سابق تجربة أن الجنود والدبابات وبلدوزرات سيأتوننا فى أي لحظة لتدمير صوباتنا التي رعيناها لوقت طويل وأنهم سيفعلون ذلك بينما البعض منا يضرب ويأسر مع 149 شخصاً آخر لعدة ساعات. هل تعتقدين أننا لن نحاول استخدام وسائل عنيفة نوعاً ما لحماية الفتات الذي بقي لنا؟ .. أفكر فى ذلك بالذات عندما أرى حدائق وصوبات وشجر فاكهة يدمر. سنوات من الاعتناء والتنمية. أفكر فيك، وكم من الوقت يؤخذ لحث الأشياء على النمو. مخاض حب .. أعتقد حقاً أن أغلب الناس سيدافعون عن أنفسهم بأقصى طاقاتهم في ظروف مماثلة. أظن أن عمي كريج سيفعل ذلك وفي الغالب جدتي ستفعل. أظن أنني أنا سأفعل ذلك .. سألتني عن المقاومة السلمية عندما أبطلت العبوة، كسرت النوافذ فى منزل العائلة .. كنت على وشك تناول كوب من الشاي وكنت ألعب مع الرضيعين. أنا أمر بوقت عصيب الآن. أشعر بالغثيان من نفسي، لأن هؤلاء الناس الذين يواجهون الجحيم يهتمون بي بهذا القدر من اللطف. أعلم أن كل هذا يبدو مبالغا فيه فى الولايات المتحدة .. بصراحة، الطيبة الشديدة للناس بالإضافة إلى الأدلة الدامغة على التدمير المتعمد لحياتهم، تجعل الأمر لا يمكن تصوره. بالنسبة لي لا أصدق حقيقة أن شيئا كهذا من الممكن أن يحدث فى العالم بدون احتجاج أكبر عليه. إنه يؤلمني مرة أخري كما آلمني في السابق أن أرى إلى أي مدى يمكن أن نسمح للعالم بأن يصبح بهذا السوء .. شعرت بعد أن تحدثت إليك أنك لم تصدقيني تماماً .. أظن أن هذا جيد في الحقيقة لأنني أعتقد قبل كل شيء بأهمية التفكير المستقل النقدي وأرى أيضاً أنني أقل حرصاً معك على ذكر مصدر تأكيداتي .. أكبر أسباب ذلك أنني أعلم أنك بالفعل ستقومين بأبحاثك الخاصة. ولكنه يجعلني قلقة على عملي. إن كل الوضع الذي ذكرته لك وأشياء أخرى كثيرة يمثل تدريجياً وبشكل خفى أحياناً إزالة وتدمير مجموعة معينة من الناس من على وجه الحياة. هذا هو ما أراه هنا. إن الاغتيالات والقصف الصاروخي وقتل الأطفال فظائع ولكن في التركيز عليهم أشعر بالرعب من عدم الانتباه لسياق الامور .. إن أكثر الناس هنا لا يستطيعون الرحيل حتى ولو ملكوا القدرة الاقتصادية على ذلك وحتى لو أرادوا الكف عن المقاومة من أجل أرضهم .. هذا لأنهم لا يستطيعون حتى الدخول إلى إسرائيل للتقدم بطلبات فيزا ولأن الدول التي يريدون الذهاب إليها لن تسمح لهم بالدخول (بلدنا والدول العربية) .. لذا أرى أنه إذا قطعت جميع سبل العيش فى قفص غزة الذي لا يستطيع الناس الخروج منه، أعتقد أن هذا يمثل تطهيرا عرقيا. حتى إذا استطاعوا الخروج فإنه تطهير عرقي. يمكنك أن تبحثي عن تعريف التطهير العرقي في القانون الدولي. لا أستطيع ذكره الآن. أتمنى أن أصبح أمهر فى توضيح ذلك .. لا أحب الكلمات المحملة بالمعانى. أعلم أنك تعرفين ذلك عني. أنا أقدر الكلمات حقا وأحاول فعلاً أن أوضح ثم أترك الناس لاستنتاجاتهم الخاصة.
على كل فأنا أثرثر. كل ما أردته هو أن أكتب لأمي لأقول لها إني أشهد هذا التطهير العرقي المزمن وخائفة جداً وأراجع معتقداتي الأساسية عن الطبيعة الإنسانية الخيرة. هذا يجب أن يتوقف. أرى أنها فكرة جيدة أن نترك كل شيء ونكرس حياتنا لجعل هذا يتوقف. أشعر بالرعب وعدم التصديق. خيبة أمل. أشعر بخيبة الأمل أن هذا هو أساس حقيقة عالمنا وأننا نشارك فيه بالفعل. ليس هذا أبدا ما أتيت من أجله إلى هذا العالم. ليس هذا أبدا ما أراده الناس هنا عندما أتوا إلى هذا العالم. هذا ليس العالم الذي أردت أنت وأبي أن آتي إليه عندما قررتما أن تنجباني. هذا ليس ما عنيته عندما نظرت إلى بحيرة كابيتول وقلت <<هذا هو العالم الكبير أو أنا آتية إليه>> .. لم آت إلى عالم أحيا فيه حياة مريحة وحيث يمكن بلا أدنى مجهود أن أتواجد فى حالة عدم علم تام بمشاركتي فى هذا التطهير العرقي .. المزيد من الانفجارات على مسافة ما بالخارج.
عندما أعود من فلسطين ستأتيني كوابيس في الغالب وسأشعر دوما بالذنب لأنني لست هنا ولكن يمكنني أن أوجه ذلك نحو المزيد من العمل .. المجيء إلى هنا من أفضل الأشياء التي فعلتها. لذا إن بدوت مجنونة أو خرق الجيش الإسرائيلي ميله العنصري لعدم إيذاء الأشخاص البيض فأرجو أن تحددي أن السبب كان وجودي وسط هذا التطهير العرقي الذي أدعمه بشكل غير مباشر، والذي يقع جزء كبير من مسؤوليته على حكومتي .. أحبك أنت وأبي. آسفة على الخطبة اللاذعة .. حسناً بعض الرجال الأغراب بالقرب مني أعطوني بعض حبوب البازلاء وعليّ أكلها وشكرهم.

الاثنين، 12 أكتوبر 2009

لبيد بن أبي ربيعة

عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَـا

بِمِنىً تَأَبَّـدَ غَـوْلُهَا فَرِجَامُهَـا

فَمَـدَافِعُ الرَّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُهَـا

خَلِقاً كَمَا ضَمِنَ الوُحِىَّ سِلامُهَا

دِمَنٌ تَجَـرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِهَـا

حِجَـجٌ خَلَونَ حَلالُهَا وَحَرامُهَا

رُزِقَتْ مَرَابِيْعَ النُّجُومِ وَصَابَهَـا

وَدَقُّ الرَّوَاعِدِ جَوْدُهَا فَرِهَامُهَـا

مِنْ كُـلِّ سَارِيَةٍ وَغَادٍ مُدْجِـنٍ

وَعَشِيَّـةٍ مُتَجَـاوِبٍ إِرْزَامُهَـا

فَعَلا فُرُوعُ الأَيْهُقَانِ وأَطْفَلَـتْ

بِالجَهْلَتَيْـنِ ظِبَـاؤُهَا وَنَعَامُهَـا

وَالعِيْـنُ سَاكِنَةٌ عَلَى أَطْلائِهَـا

عُـوذاً تَأَجَّلُ بِالفَضَاءِ بِهَامُهَـا

وَجَلا السُّيُولُ عَنْ الطُّلُولِ كَأَنَّهَا

زُبُـرٌ تُجِدُّ مُتُونَهَـا أَقْلامُهَـا

أَوْ رَجْعُ واشِمَةٍ أُسِفَّ نَؤورُهَـا

كَفِـفاً تَعَرَّضَ فَوْقَهُنَّ وِشَامُهَـا

فَوَقَفْـتُ أَسْأَلُهَا وَكَيفَ سُؤَالُنَـا

صُمًّـا خَوَالِدَ مَا يَبِيْنُ كَلامُهَـا

عَرِيتْ وَكَانَ بِهَا الجَمِيْعُ فَأَبْكَرُوا

مِنْهَـا وغُودِرَ نُؤيُهَا وَثُمَامُهَـا

شَاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيِّ حِيْنَ تَحَمَّلُـوا

فَتَكَنَّسُـوا قُطُناً تَصِرُّ خِيَامُهَـا

مِنْ كُلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عَصِيَّـهُ

زَوْجٌ عَلَيْـهِ كِلَّـةٌ وَقِرَامُهَـا

زُجَلاً كَأَنَّ نِعَاجَ تُوْضِحَ فَوْقَهَا

وَظِبَـاءَ وَجْرَةَ عُطَّفاً آرَامُهَـا

حُفِزَتْ وَزَايَلَهَا السَّرَابُ كَأَنَّهَا

أَجْزَاعُ بِيشَةَ أَثْلُهَا وَرِضَامُهَـا

بَلْ مَا تَذَكَّرُ مِنْ نَوَارِ وقَدْ نَأَتْ

وتَقَطَّعَـتْ أَسْبَابُهَا ورِمَامُهَـا

مُرِّيَةٌ حَلَّتْ بِفَيْد وجَـاوَرَتْ

أَهْلَ الحِجَازِ فَأَيْنَ مِنْكَ مَرَامُهَا

بِمَشَارِقِ الجَبَلَيْنِ أَوْ بِمُحَجَّـرٍ

فَتَضَمَّنَتْهَـا فَـرْدَةٌ فَرُخَامُهَـا

فَصُـوائِقٌ إِنْ أَيْمَنَتْ فَمِظَنَّـةٌ

فِيْهَا رِخَافُ القَهْرِ أَوْ طِلْخَامُهَا

فَاقْطَعْ لُبَانَةَ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُـهُ

وَلَشَـرُّ وَاصِلِ خُلَّةٍ صَرَّامُهَـا

وَاحْبُ المُجَامِلَ بِالجَزِيلِ وَصَرْمُهُ

بَاقٍ إِذَا ظَلَعَتْ وَزَاغَ قِوَامُهَـا

بِطَلِيـحِ أَسْفَـارٍ تَرَكْنَ بَقِيَّـةً

مِنْهَا فَأَحْنَقَ صُلْبُهَا وسَنَامُهَـا

وَإِذَا تَعَالَى لَحْمُهَا وتَحَسَّـرَتْ

وتَقَطَّعَتْ بَعْدَ الكَلالِ خِدَامُهَـا

فَلَهَـا هِبَابٌ فِي الزِّمَامِ كَأَنَّهَـا

صَهْبَاءُ خَفَّ مَعَ الجَنُوبِ جَهَامُهَا

أَوْ مُلْمِعٌ وَسَقَتْ لأَحْقَبَ لاحَـهُ

طَرْدُ الفُحُولِ وضَرْبُهَا وَكِدَامُهَـا

يَعْلُو بِهَا حُدْبَ الإِكَامِ مُسَحَّـجٌ

قَـدْ رَابَهُ عِصْيَانُهَـا وَوِحَامُهَـا

بِأَحِـزَّةِ الثَّلْبُـوتِ يَرْبَأُ فَوْقَهَـا

قَفْـرُ المَـرَاقِبِ خَوْفُهَا آرَامُهَـا

حَتَّـى إِذَا سَلَخَا جُمَادَى سِتَّـةً

جَـزْءاً فَطَالَ صِيَامُهُ وَصِيَامُهَـا

رَجَعَـا بِأَمْرِهِمَـا إِلىَ ذِي مِـرَّةٍ

حَصِـدٍ ونُجْعُ صَرِيْمَةٍ إِبْرَامُهَـا

ورَمَى دَوَابِرَهَا السَّفَا وتَهَيَّجَـتْ

رِيْحُ المَصَايِفِ سَوْمُهَا وسِهَامُهَـا

فَتَنَـازَعَا سَبِطاً يَطِيْرُ ظِـلالُـهُ

كَدُخَانِ مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَـا

مَشْمُـولَةٍ غُلِثَتْ بِنَابتِ عَرْفَـجٍ

كَدُخَـانِ نَارٍ سَاطِعٍ أَسْنَامُهَـا

فَمَضَى وقَدَّمَهَا وكَانَتْ عَـادَةً

مِنْـهُ إِذَا هِيَ عَرَّدَتْ إِقْدَامُهَـا

فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وصَدَّعَـا

مَسْجُـورَةً مُتَجَـاوِراً قُلاَّمُهَـا

مَحْفُـوفَةً وَسْطَ اليَرَاعِ يُظِلُّهَـا

مِنْـهُ مُصَـرَّعُ غَابَةٍ وقِيَامُهَـا

أَفَتِلْـكَ أَمْ وَحْشِيَّةٌ مَسْبُـوعَـةٌ

خَذَلَتْ وهَادِيَةُ الصِّوَارِ قِوَامُهَـا

خَنْسَاءُ ضَيَّعَتِ الفَرِيرَ فَلَمْ يَـرِمْ

عُرْضَ الشَّقَائِقِ طَوْفُهَا وبُغَامُهَـا

لِمُعَفَّـرٍ قَهْـدٍ تَنَـازَعَ شِلْـوَهُ

غُبْسٌ كَوَاسِبُ لا يُمَنُّ طَعَامُهَـا

صَـادَفْنَ مِنْهَا غِـرَّةً فَأَصَبْنَهَـا

إِنَّ المَنَـايَا لا تَطِيْشُ سِهَامُهَـا

بَاتَتْ وأَسْبَلَ واكِفٌ مِنْ دِيْمَـةٍ

يُرْوَى الخَمَائِلَ دَائِماً تَسْجَامُهَـا

يَعْلُـو طَرِيْقَةَ مَتْنِهَـا مُتَوَاتِـرٌ

فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمامُهَـا

تَجْتَـافُ أَصْلاً قَالِصاً مُتَنَبِّـذَا

بِعُجُـوبِ أَنْقَاءٍ يَمِيْلُ هُيَامُهَـا

وتُضِيءُ فِي وَجْهِ الظَّلامِ مُنِيْـرَةً

كَجُمَانَةِ البَحْرِيِّ سُلَّ نِظَامُهَـا

حَتَّى إِذَا حَسَرَ الظَّلامُ وأَسْفَرَتْ

بَكَرَتْ تَزِلُّ عَنِ الثَّرَى أَزْلامُهَا

عَلِهَتْ تَرَدَّدُ فِي نِهَاءِ صُعَائِـدٍ

سَبْعـاً تُـؤَاماً كَامِلاً أَيَّامُهَـا

حَتَّى إِذَا يَئِسَتْ وَأَسْحَقَ حَالِقٌ

لَمْ يُبْلِـهِ إِرْضَاعُهَا وفِطَامُهَـا

فَتَوَجَّسَتْ رِزَّ الأَنِيْسِ فَرَاعَهَـا

عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ والأَنِيْسُ سَقَامُهَا

فَغَدَتْ كِلاَ الفَرْجَيْنِ تَحْسِبُ أَنَّهُ

مَوْلَى المَخَافَةِ خَلْفُهَا وأَمَامُهَـا

حَتَّى إِذَا يِئِسَ الرُّمَاةُ وأَرْسَلُـوا

غُضْفاً دَوَاجِنَ قَافِلاً أَعْصَامُهَـا

فَلَحِقْنَ واعْتَكَرَتْ لَهَا مَدْرِيَّـةٌ

كَالسَّمْهَـرِيَّةِ حَدُّهَا وتَمَامُهَـا

لِتَذُودَهُنَّ وأَيْقَنَتْ إِنْ لَمْ تَـذُدْ

أَنْ قَدْ أَحَمَّ مَعَ الحُتُوفِ حِمَامُهَا

فَتَقَصَّدَتْ مِنْهَا كَسَابِ فَضُرِّجَتْ

بِدَمٍ وغُودِرَ فِي المَكَرِّ سُخَامُهَـا

فَبِتِلْكَ إِذْ رَقَصَ اللَّوَامِعُ بِالضُّحَى

واجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرَابِ إِكَامُهَـا

أَقْضِـي اللُّبَـانَةَ لا أُفَرِّطُ رِيْبَـةً

أَوْ أنْ يَلُـومَ بِحَاجَـةٍ لَوَّامُهَـا

أَوَلَـمْ تَكُنْ تَدْرِي نَوَارِ بِأَنَّنِـي

وَصَّـالُ عَقْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُهَـا

تَـرَّاكُ أَمْكِنَـةٍ إِذَا لَمْ أَرْضَهَـا

أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَـا

بَلْ أَنْتِ لا تَدْرِينَ كَمْ مِنْ لَيْلَـةٍ

طَلْـقٍ لَذِيذٍ لَهْـوُهَا وَنِدَامُهَـا

قَـدْ بِتُّ سَامِرَهَا وغَايَةَ تَاجِـرٍ

وافَيْـتُ إِذْ رُفِعَتْ وعَزَّ مُدَامُهَـا

أُغْلِى السِّبَاءَ بِكُلِّ أَدْكَنَ عَاتِـقِ

أَوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتَامُهَـا

بِصَبُوحِ صَافِيَةٍ وجَذْبِ كَرِينَـةٍ

بِمُـوَتَّـرٍ تَأْتَـالُـهُ إِبْهَامُهَـا

بَاكَرْتُ حَاجَتَهَا الدَّجَاجَ بِسُحْرَةٍ

لأَعَـلَّ مِنْهَا حِيْنَ هَبَّ نِيَامُهَـا

وَغـدَاةَ رِيْحٍ قَدْ وَزَعْتُ وَقِـرَّةٍ

قَد أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَـا

وَلَقَدْ حَمَيْتُ الحَيَّ تَحْمِلُ شِكَّتِـي

فُرْطٌ وِشَاحِي إِذْ غَدَوْتُ لِجَامُهَـا

فَعَلَـوْتُ مُرْتَقِباً عَلَى ذِي هَبْـوَةٍ

حَـرِجٍ إِلَى أَعْلامِهِـنَّ قَتَامُهَـا

حَتَّـى إِذَا أَلْقَتْ يَداً فِي كَافِـرٍ

وأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلامُهَـا

أَسْهَلْتُ وانْتَصَبَتْ كَجِذْعِ مُنِيْفَةٍ

جَـرْدَاءَ يَحْصَرُ دُونَهَا جُرَّامُهَـا

رَفَّعْتُهَـا طَـرْدَ النَّعَـامِ وَشَلَّـهُ

حَتَّى إِذَا سَخِنَتْ وخَفَّ عِظَامُهَـا

قَلِقَـتْ رِحَالَتُهَا وأَسْبَلَ نَحْرُهَـا

وابْتَـلَّ مِنْ زَبَدِ الحَمِيْمِ حِزَامُهَـا

تَرْقَى وتَطْعَنُ فِي العِنَانِ وتَنْتَحِـي

وِرْدَ الحَمَـامَةِ إِذْ أَجَدَّ حَمَامُهَـا

وكَثِيْـرَةٍ غُـرَبَاؤُهَـا مَجْهُولَـةٍ

تُـرْجَى نَوَافِلُهَا ويُخْشَى ذَامُهَـا

غُلْـبٍ تَشَذَّرُ بِالذَّحُولِ كَأَنَّهَـا

جِـنُّ البَـدِيِّ رَوَاسِياً أَقْدَامُهَـا

أَنْكَـرْتُ بَاطِلَهَا وبُؤْتُ بِحَقِّهَـا

عِنْـدِي وَلَمْ يَفْخَرْ عَلَّي كِرَامُهَـا

وجَـزُورِ أَيْسَارٍ دَعَوْتُ لِحَتْفِهَـا

بِمَغَـالِقٍ مُتَشَـابِهٍ أَجْسَامُهَــا

أَدْعُـو بِهِنَّ لِعَـاقِرٍ أَوْ مُطْفِــلٍ

بُذِلَـتْ لِجِيْرَانِ الجَمِيْعِ لِحَامُهَـا

فَالضَّيْـفُ والجَارُ الجَنِيْبُ كَأَنَّمَـا

هَبَطَـا تَبَالَةَ مُخْصِبـاً أَهْضَامُهَـا

تَـأْوِي إِلَى الأطْنَابِ كُلُّ رَذِيَّـةٍ

مِثْـلِ البَلِيَّـةِ قَالِـصٍ أَهْدَامُهَـا

ويُكَلِّـلُونَ إِذَا الرِّيَاحُ تَنَاوَحَـتْ

خُلُجـاً تُمَدُّ شَـوَارِعاً أَيْتَامُهَـا

إِنَّـا إِذَا الْتَقَتِ المَجَامِعُ لَمْ يَـزَلْ

مِنَّـا لِزَازُ عَظِيْمَـةٍ جَشَّامُهَـا

ومُقَسِّـمٌ يُعْطِي العَشِيرَةَ حَقَّهَـا

ومُغَـذْمِرٌ لِحُقُوقِهَـا هَضَّامُهَـا

فَضْلاً وَذُو كَرَمٍ يُعِيْنُ عَلَى النَّدَى

سَمْحٌ كَسُوبُ رَغَائِبٍ غَنَّامُهَـا

مِنْ مَعْشَـرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُـمْ

ولِكُـلِّ قَـوْمٍ سُنَّـةٌ وإِمَامُهَـا

لا يَطْبَعُـونَ وَلا يَبُورُ فَعَالُهُـمْ

إِذْ لا يَمِيْلُ مَعَ الهَوَى أَحْلامُهَـا

فَاقْنَـعْ بِمَا قَسَمَ المَلِيْكُ فَإِنَّمَـا

قَسَـمَ الخَـلائِقَ بَيْنَنَا عَلاَّمُهَـا

وإِذَا الأَمَانَةُ قُسِّمَتْ فِي مَعْشَـرٍ

أَوْفَـى بِأَوْفَـرِ حَظِّنَا قَسَّامُهَـا

فَبَنَـى لَنَا بَيْتـاً رَفِيْعاً سَمْكُـهُ

فَسَمَـا إِليْهِ كَهْلُهَـا وغُلامُهَـا

وَهُمُ السُّعَاةُ إِذَا العَشِيرَةُ أُفْظِعَـتْ

وَهُمُ فَـوَارِسُـهَا وَهُمْ حُكَّامُهَـا

وَهُمُ رَبيـْعٌ لِلْمُجَـاوِرِ فِيهُــمُ

والمُرْمِـلاتِ إِذَا تَطَـاوَلَ عَامُهَـا

وَهُمُ العَشِيْـرَةُ أَنْ يُبَطِّئَ حَاسِـدٌ

أَوْ أَنْ يَمِيْـلَ مَعَ العَـدُوِّ لِئَامُهَـا

عنترة بن شداد العبسي

هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ

أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّـمِ

يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي

وَعِمِّي صَبَاحاً دَارَ عبْلةَ واسلَمِي

فَوَقَّفْـتُ فيها نَاقَتي وكَأنَّهَـا

فَـدَنٌ لأَقْضي حَاجَةَ المُتَلَـوِّمِ

وتَحُـلُّ عَبلَةُ بِالجَوَاءِ وأَهْلُنَـا

بالحَـزنِ فَالصَّمَـانِ فَالمُتَثَلَّـمِ

حُيِّيْتَ مِنْ طَلَلٍ تَقادَمَ عَهْـدُهُ

أَقْـوى وأَقْفَـرَ بَعدَ أُمِّ الهَيْثَـمِ

حَلَّتْ بِأَرض الزَّائِرينَ فَأَصْبَحَتْ

عسِراً عليَّ طِلاَبُكِ ابنَةَ مَخْـرَمِ

عُلِّقْتُهَـا عَرْضاً وأقْتلُ قَوْمَهَـا

زعماً لعَمرُ أبيكَ لَيسَ بِمَزْعَـمِ

ولقـد نَزَلْتِ فَلا تَظُنِّي غَيْـرهُ

مِنّـي بِمَنْـزِلَةِ المُحِبِّ المُكْـرَمِ

كَـيفَ المَزارُ وقد تَربَّع أَهْلُهَـا

بِعُنَيْـزَتَيْـنِ وأَهْلُنَـا بِالغَيْلَـمِ

إنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِراقَ فَإِنَّمَـا

زَمَّـت رِكَائِبُكُمْ بِلَيْلٍ مُظْلِـمِ

مَـا رَاعَنـي إلاَّ حَمولةُ أَهْلِهَـا

وسْطَ الدِّيَارِ تَسُفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ

فِيهَـا اثْنَتانِ وأَرْبعونَ حَلُوبَـةً

سُوداً كَخافيةِ الغُرَابِ الأَسْحَـمِ

إذْ تَسْتَبِيْكَ بِذِي غُروبٍ وَاضِحٍ

عَـذْبٍ مُقَبَّلُـهُ لَذيذُ المَطْعَـمِ

وكَـأَنَّ فَارَةَ تَاجِرٍ بِقَسِيْمَـةٍ

سَبَقَتْ عوَارِضَها إليكَ مِن الفَمِ

أوْ روْضـةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبْتَهَـا

غَيْثٌ قليلُ الدَّمنِ ليسَ بِمَعْلَـمِ

جَـادَتْ علَيهِ كُلُّ بِكرٍ حُـرَّةٍ

فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَـمِ

سَحّـاً وتَسْكاباً فَكُلَّ عَشِيَّـةٍ

يَجْـرِي عَلَيها المَاءُ لَم يَتَصَـرَّمِ

وَخَلَى الذُّبَابُ بِهَا فَلَيسَ بِبَـارِحٍ

غَرِداً كَفِعْل الشَّاربِ المُتَرَنّـمِ

هَزِجـاً يَحُـكُّ ذِراعَهُ بذِراعِـهِ

قَدْحَ المُكَبِّ على الزِّنَادِ الأَجْـذَمِ

تُمْسِي وتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشيّةٍ

وأَبِيتُ فَوْقَ سرَاةِ أدْهَمَ مُلْجَـمِ

وَحَشِيَّتي سَرْجٌ على عَبْلِ الشَّوَى

نَهْـدٍ مَرَاكِلُـهُ نَبِيلِ المَحْـزِمِ

هَـل تُبْلِغَنِّـي دَارَهَا شَدَنِيَّـةَ

لُعِنَتْ بِمَحْرُومِ الشَّرابِ مُصَـرَّمِ

خَطَّـارَةٌ غِبَّ السُّرَى زَيَّافَـةٌ

تَطِـسُ الإِكَامَ بِوَخذِ خُفٍّ مِيْثَمِ

وكَأَنَّمَا تَطِـسُ الإِكَامَ عَشِيَّـةً

بِقَـريبِ بَينَ المَنْسِمَيْنِ مُصَلَّـمِ

تَأْوِي لَهُ قُلُصُ النَّعَامِ كَما أَوَتْ

حِـزَقٌ يَمَانِيَّةٌ لأَعْجَمَ طِمْطِـمِ

يَتْبَعْـنَ قُلَّـةَ رأْسِـهِ وكأَنَّـهُ

حَـرَجٌ على نَعْشٍ لَهُنَّ مُخَيَّـمِ

صَعْلٍ يعُودُ بِذِي العُشَيرَةِ بَيْضَـةُ

كَالعَبْدِ ذِي الفَرْو الطَّويلِ الأَصْلَمِ

شَرَبَتْ بِماءِ الدُّحرُضينِ فَأَصْبَحَتْ

زَوْراءَ تَنْفِرُ عن حيَاضِ الدَّيْلَـمِ

وكَأَنَّما يَنْأَى بِجـانبِ دَفَّها الـ

وَحْشِيِّ مِنْ هَزِجِ العَشِيِّ مُـؤَوَّمِ

هِـرٍّ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَتْ لـهُ

غَضَبَ اتَّقاهَا بِاليَدَينِ وَبِالفَـمِ

بَرَكَتْ عَلَى جَنبِ الرِّدَاعِ كَأَنَّـما

بَرَكَتْ عَلَى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ

وكَـأَنَّ رُبًّا أَوْ كُحَيْلاً مُقْعَـداً

حَشَّ الوَقُودُ بِهِ جَوَانِبَ قُمْقُـمِ

يَنْبَاعُ منْ ذِفْرَى غَضوبٍ جَسرَةٍ

زَيَّافَـةٍ مِثـلَ الفَنيـقِ المُكْـدَمِ

إِنْ تُغْدِفي دُونِي القِناعَ فإِنَّنِـي

طَـبٌّ بِأَخذِ الفَارسِ المُسْتَلْئِـمِ

أَثْنِـي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فإِنَّنِـي

سَمْـحٌ مُخَالقَتي إِذَا لم أُظْلَـمِ

وإِذَا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلْمِي بَاسِـلٌ

مُـرٌّ مَذَاقَتُـهُ كَطَعمِ العَلْقَـمِ

ولقَد شَربْتُ مِنَ المُدَامةِ بَعْدَمـا

رَكَدَ الهَواجرُ بِالمشوفِ المُعْلَـمِ

بِزُجاجَـةٍ صَفْراءَ ذاتِ أَسِـرَّةٍ

قُرِنَتْ بِأَزْهَر في الشَّمالِ مُقَـدَّمِ

فإِذَا شَـرَبْتُ فإِنَّنِي مُسْتَهْلِـكٌ

مَالـي وعِرْضي وافِرٌ لَم يُكلَـمِ

وإِذَا صَحَوتُ فَما أَقَصِّرُ عنْ نَدَىً

وكَما عَلمتِ شَمائِلي وتَكَرُّمـي

وحَلِـيلِ غَانِيةٍ تَرَكْتُ مُجـدَّلاً

تَمكُو فَريصَتُهُ كَشَدْقِ الأَعْلَـمِ

سَبَقَـتْ يَدايَ لهُ بِعاجِلِ طَعْنَـةٍ

ورِشـاشِ نافِـذَةٍ كَلَوْنِ العَنْـدَمِ

هَلاَّ سأَلْتِ الخَيـلَ يا ابنةَ مالِـكٍ

إنْ كُنْتِ جاهِلَةً بِـمَا لَم تَعْلَمِـي

إِذْ لا أزَالُ عَلَى رِحَالـةِ سَابِـحٍ

نَهْـدٍ تعـاوَرُهُ الكُمـاةُ مُكَلَّـمِ

طَـوْراً يُـجَرَّدُ للطَّعانِ وتَـارَةً

يَأْوِي إلى حَصِدِ القِسِيِّ عَرَمْـرِمِ

يُخْبِـركِ مَنْ شَهَدَ الوَقيعَةَ أنَّنِـي

أَغْشى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَـمِ

ومُـدَّجِجٍ كَـرِهَ الكُماةُ نِزَالَـهُ

لامُمْعـنٍ هَـرَباً ولا مُسْتَسْلِـمِ

جَـادَتْ لهُ كَفِّي بِعاجِلِ طَعْنـةٍ

بِمُثَقَّـفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَـوَّمِ

فَشَكَكْـتُ بِالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثِيابـهُ

ليـسَ الكَريمُ على القَنا بِمُحَـرَّمِ

فتَـركْتُهُ جَزَرَ السِّبَـاعِ يَنَشْنَـهُ

يَقْضِمْـنَ حُسْنَ بَنانهِ والمِعْصَـمِ

ومِشَكِّ سابِغةٍ هَتَكْتُ فُروجَهـا

بِالسَّيف عنْ حَامِي الحَقيقَة مُعْلِـمِ

رَبِـذٍ يَـدَاهُ بالقِـدَاح إِذَا شَتَـا

هَتَّـاكِ غَايـاتِ التَّجـارِ مُلَـوَّمِ

لـمَّا رَآنِي قَـدْ نَزَلـتُ أُريـدُهُ

أَبْـدَى نَواجِـذَهُ لِغَيـرِ تَبَسُّـمِ

عَهـدِي بِهِ مَدَّ النَّهـارِ كَأَنَّمـا

خُضِـبَ البَنَانُ ورَأُسُهُ بِالعَظْلَـمِ

فَطعنْتُـهُ بِالرُّمْـحِ ثُـمَّ عَلَوْتُـهُ

بِمُهَنَّـدٍ صافِي الحَديدَةِ مِخْـذَمِ

بَطـلٌ كأَنَّ ثِيـابَهُ في سَرْجـةٍ

يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ ليْسَ بِتَـوْأَمِ

ياشَـاةَ ما قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لـهُ

حَـرُمَتْ عَلَيَّ وَلَيْتَها لم تَحْـرُمِ

فَبَعَثْتُ جَارِيَتي فَقُلْتُ لها اذْهَبـي

فَتَجَسَّسِي أَخْبارَها لِيَ واعْلَمِـي

قَالتْ : رَأيتُ مِنَ الأَعادِي غِـرَّةً

والشَاةُ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ هُو مُرْتَمـي

وكـأَنَّمَا التَفَتَتْ بِجِيدِ جَدَايـةٍ

رَشَـاءٍ مِنَ الغِـزْلانِ حُرٍ أَرْثَـمِ

نُبّئـتُ عَمْراً غَيْرَ شاكِرِ نِعْمَتِـي

والكُـفْرُ مَخْبَثَـةٌ لِنَفْسِ المُنْعِـمِ

ولقَدْ حَفِظْتُ وَصَاةَ عَمِّي بِالضُّحَى

إِذْ تَقْلِصُ الشَّفَتَانِ عَنْ وَضَحِ الفَمِ

في حَوْمَةِ الحَرْبِ التي لا تَشْتَكِـي

غَمَـرَاتِها الأَبْطَالُ غَيْرَ تَغَمْغُـمِ

إِذْ يَتَّقُـونَ بـيَ الأَسِنَّةَ لم أَخِـمْ

عَنْـها ولَكنِّي تَضَايَقَ مُقْدَمـي

لـمَّا رَأيْتُ القَوْمَ أقْبَلَ جَمْعُهُـمْ

يَتَـذَامَرُونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّـمِ

يَدْعُـونَ عَنْتَرَ والرِّماحُ كأَنَّهـا

أشْطَـانُ بِئْـرٍ في لَبانِ الأَدْهَـمِ

مازِلْـتُ أَرْمِيهُـمْ بِثُغْرَةِ نَحْـرِهِ

ولِبـانِهِ حَتَّـى تَسَـرْبَلَ بِالـدَّمِ

فَـازْوَرَّ مِنْ وَقْـعِ القَنا بِلِبانِـهِ

وشَـكَا إِلَىَّ بِعَبْـرَةٍ وَتَحَمْحُـمِ

لو كانَ يَدْرِي مَا المُحاوَرَةُ اشْتَكَى

وَلَـكانَ لو عَلِمْ الكَلامَ مُكَلِّمِـي

ولقَـدْ شَفَى نَفْسي وَأَذهَبَ سُقْمَهَـا

قِيْلُ الفَـوارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْـدِمِ

والخَيـلُ تَقْتَحِمُ الخَبَارَ عَوَابِسـاً

مِن بَيْنَ شَيْظَمَـةٍ وَآخَرَ شَيْظَـمِ

ذُللٌ رِكَابِي حَيْثُ شِئْتُ مُشَايعِي

لُـبِّي وأَحْفِـزُهُ بِأَمْـرٍ مُبْـرَمِ

ولقَدْ خَشَيْتُ بِأَنْ أَمُوتَ ولَم تَـدُرْ

للحَرْبِ دَائِرَةٌ على ابْنَي ضَمْضَـمِ

الشَّـاتِمِيْ عِرْضِي ولَم أَشْتِمْهُمَـا

والنَّـاذِرَيْـنِ إِذْ لَم أَلقَهُمَا دَمِـي

إِنْ يَفْعَـلا فَلَقَدْ تَرَكتُ أَباهُمَـا

جَـزَرَ السِّباعِ وكُلِّ نِسْرٍ قَشْعَـمِ