الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

القذافي (أربعون عاما وأكثر)؟



روى لي احد مستشاري الملك حسين (الاردن) التالي : في اوائل السبعينات طلب احد الموظفين الاجتماع به لأمر هام .. تبين ان محطة اذاعة ليبية تبث برامج تسيء للاردن والملك شخصيا وان بثها يغطي الاراضي الاردنية , فسأل الملك الموظف : وماذا عن اذاعتنا هل تصل ليبيا , فأجاب : بالكاد تصل دمشق , فضحك الملك قائلا : دع الشعب الليبي يسمع بنا , ما المشكلة !

في العصور الاولى كانت الرعية تعبر عن ابتهاجها بالملكة بالقاء الأوساخ والزهور عليها , فالمدح والردح وجهان لعملة واحدة (البدائية والغريزية) .. والله اكبر : ليس بنسبة كرة السلة لكرة التنس , بل بمفهوم ان الطالب المبتديء والعالم النحرير سواسية كاسنان المشط في حريتهم وانسانيتهم في سعيها الدائم للوصول اليه (كل بسعة نفسه) .. هنالك تشابه بليغ بين (الحالة القذافية) و (الحالة الكردية) فكلاهما تنطبق عليهما نظرية (الصفر الجيوسياسي) : في العصور الحديثة تعرض العالم العربي للاستعمار الخارجي , ولكن هذا الاستعمار اتخذ مظهرين اساسيين (الهيمنة “شرقا” والابادة”غربا”) , فلم يسقط مليون شهيد في المشرق العربي مقارنة بالجزائر وحدها .. وما هو اكثر دلالة هنا هو: لم تتعرض اللغة للتهديد في المشرق كما المغرب , ونتيجة لذلك فان ثقافة المشرق “فنية” المنحى والمغرب “عقلية” المنحى (كون المغرب – تحت الضغط القصري – ابتعد عن اللغة ثم استعادها) , يعتبر المغربي : ام كلثوم ونزار قباني ابداع رفيع , ويعتبر المشرقي مالك بن نبي ومحمد عابد الجابري ابداع رفيع (على سبيل المثال لا الحصر).. في ازمنة التعايش (الصعود والنهضة , العزة والامل) برز طارق بن زياد , صلاح الدين الايوبي , سلطان باشا الاطرش , وهؤلاء يمثلون الاقلية (الصفر) في الجغرافيا العرقية والطائفية لضمان نسيان الاغلبية لكثرتها لصالح المصلحة العامة للجميع (فالصفر توتر متحرك بين اللا قيمة والقيمة القصوى) , كالفارمكون الاغريقي (سم وعلاج في آن : وينشط بهذا الاتجاه او ذاك اعتمادا على ظرف ومتعلقات استخدامه).. قبل اربعين عام انضم القذافي الى مائدة (المد القومي والتحرري) فرحب به الجميع , ولما فتح الصندوق للتبرع وضع كل ما في جيبه , وبما ان الصدارة كانت محجوزة لحبيب الجماهير (جمال عبد الناصر) فقد حرص ان يكون الاشد التصاقا به والاكثر ولاء ورهن الاشارة , وهذا الدور في جوهره ينطوي على كم من الفانتازيا (كالرجل الذي اتصل بالاسعاف ليخبر عن ميت في حادث , ولما سألته الممرضة : هل انت متأكد انه ميت ..؟ اطلق رصاصة عليه وأجاب : نعم انا متأكد انه ميت !!) .. عشية كلمة اوباما للعالم الاسلامي من القاهرة , كانت القوات الباكستانية قد انتهت من تمشيط مناطق انتشار “قوات تحريك الطالبان” وتواصل الاطباق على المعقل الأخير لبيت الله محسود بالقرب من الحدود الافغانية , فلوحت القوات الامريكية بالتدخل لالقاء القبض على (اسامه بن لادن وايمن الظواهري) كاحتمال وحيد لوجودهم ؟! .. فنشبت ازمة بين جنرالات الفريقين وصلت للاعلام الموجه لذلك العالم .. في عالم آخر بث الاعلام الامريكي كلمة (ايمن الظواهري) بمناسبة زيارة أوباما , فأدت الى ازمة مصداقية تم تجاوزها عندما بثت الجزيرة تسجيلا لبن لادن (لا علاقة له بالزيارة؟) فتنفس الاعلام الامريكي الصعداء : ففي الدورات الاخبارية التالية : اصبح الخبر والصورة: بن لادن (مع ان الفحوى هو كلمة الظواهري “الذي تبخر اسمه”) .. فما رآه المشاهد الامريكي (الرئيس الامريكي ومن خلفه العالم وبن لادن ومن خلفه المسلمون في حلقة من : الاتجاه المعاكس) .. ابتسمت الاقدار للقذافي عندما قرر (القائد التاريخي) انور السادات ان يخرج الصراع العربي – الاسرائيلي من الخسارة المقنعة بالبطولة (الحرب الباردة وسباق التسلح) الى الواقعية ومتعلقها الممكن (الاستقلال والاعتماد على الحق والشرعية الدولية) : ونعني بذلك “عدم الانحياز” فعلا لا قولا , والاستفادة من تباين مصالح العملاقين بدلا من نكون ذخيرة يطلقها طرف باتجاه الآخر في الوقت والظرف الذي يحدده هو (الاتحاد السوفيتي) فقط .. فاصبح القذافي وريث الناصرية التي لم تمت بعد وان فقدت تلك الهالة والغيمة الوجدانية التي كانت تظلل العالم العربي (ففي أواخر الثمانينات كانت اذاعة “الزحف الاخضر” تبث كلمات عبدالناصر واغاني حقبته , اذكر منها : يا اسمر يا ابو الزند صعيدي) .. وكان طبيعيا ان تصبح ليبيا نقطة توتر عالية للحرب الباردة , ففي فترتي رئاسة رونالد ريغن كان الارهاب الدولي ليبيا وانتجت هوليود مئآت الافلام مصورة الارهابي كليبي , فقد كان القذافي بن لادن تلك الفترة بأمتياز .. هذه الحقبة وان اضرت بليبيا الا انها اعطت القذافي نجومية عالمية فريدة (فله فعلا تأييد “شبه مقدس” لدى الجماعات المتطرفة الافرو-امريكية , والسكان الاصليين “الهنود الحمر” وجماعات مشابهة في اوروبا , وفي استطلاع باكستاني آنذاك اعتبر (الملك فهد) اولا , و(القذافي) ثانيا كشخصيتك المفضلة عالميا : وهذا يعكس التوتر الديني (حرب افغانستان) والتوجه الوطني (عدم الانحياز) عند الباكستاني : وفي باكستان واندونيسيا وماليزيا .. وما حولها تفاجىء بمدرجات رياضية ومؤسسات اكاديمية وجمعيات خيرية تسمى باسمه).. مع انتهاء الحرب الباردة , ربما فشل القذافي في بناء وطنه (ولكن هل نجح البقية؟).. ولكنه نجح في اعادة انتاج نجوميته واستمرار بقاءه على خشبة المسرح : وهنالك ضرورة لدرس المواقف “النجومية” للقذافي بعيدا عن الاحكام المسبقة , لان بعضها وان كان (بريئا) الا ان النتائج المترتبة عليه تستحق البحث. دخل الاحتلال الامريكي للعراق في مأزق منذ اليوم الاول (بتعارض “انعدام الأمن وعدم الترحيب” بما روج له “استقبال الفاتحين”) وبدأ هذا المأزق بالتفاقم ووصل القمة اخلاقيا (ابوغريب) وشرعيا (عدم العثور على اسلحة الدمار الشامل) .. بعد اقل من خمسة شهور على الاحتلال بدأ الاعلام العالمي اعادة انتاج (ليبيا القذافي) : فحقيقة الأمر ان كل جامعة اكاديمية في العالم تملك مسارع نووي او أكثر لأغراض البحث العلمي , لكن اتجاه البحث وارتباطاته بصناعات اخرى كما ونوعا محط اهتمام تقارير استخبارية (حقيقية وملفقة) .. فعلى الورق يظهر المشروع الليبي النووي متقدم على الايراني .. ونجاح الادارة الامريكية في نزع فتيل خطرة دبلوماسيا هو ما يحتاجه احتلال العراق لخلط الاوراق وموازنة (العدوانية) القائمة في العراق بدبلوماسية في مكان لا يقل “ارهابية” .. لانتاج : (نعم , لم نعثر على اسلحة دمار شامل .. لكن المشكلة عدم تعاون صدام مقارنة بالقذافي) .. اول من تقدم للانتربول بطلب للقبض على (اسامه بن لادن) وتقديمه للعدالة بتهمة اغتيال مواطنين المانيين على الاراضي الليبية كان القذافي عام 1994 , أما أنس الليبي (القاعدة) الموضوع على رأسه 25 مليون دولار , فتؤكد السجلات انه لاجىء سياسي مقيم في بريطانيا حتى عام 2000؟ .. وقد اوجز هذه المحصلة (Michael C. Reppert) في كتابه (Crossing the Ripicon, 2006) في

(Since the attack of 9/11 Libya has rarely been mentioned as a state sponsor of terrorism and it recently “cleaned up it’s act” as a US oil companies have secured new Libyan contracts, Qaddafy the terrorist DU-JOUR of the 1980s, is now respectable)

.. فلدى القذافي فعلا الوقت والامكانيات لتصميم سيارة ومناكفة الملك السعودي في مؤتمرات القمة العربية , وحكاية تفكيك سويسرا لا تخلو من دلالة ورسالة فقد اعتقلت السلطات السويسرية ابنه وزوجة ابنه بتهمة مضايقة احد المرافقين لهما وافرجت عنهما بكفالة

http://news.bbc.co.uk/2/hi/africa/7512925.stm

فترويج صورة حقوق “عالمية” للانسان (النموذج الاوروبي) لم تعد عملة قابلة للصرف في سوق سياسات (العولمة) ومتعلقها الاول والاساس (الأمن) فلا ضير ان يواجه القذافي سويسرا هنا , فهذا بالاضافة الى انه ممكن , مشروع ايضا وفق قوانين اللعبة الجديدة الناسخة للقوانين المتقادمة .. لكن وضع القذافي في اطار صقله وسبكه تراكم مواقفنا المسبقة من و”في “القذافي (سلبا وايجابا) هو انسياق لأكبر آفات الخطاب العربي (صوابية الاغلبية “النسبية”) مع او ضد, واحيانا تكون النتيجة بمنتهى الخطورة , ومثال ذلك اهمال الخطاب العربي لمشروع (اسراطين) توقيتا وحركة , هذا الطرح لاقى اهتماما في الاوساط الدبلوماسية والاعلامية الامريكية عموما والاسرائيلية خصوصا يتجاوز الاهتمام الذي لقيه خطاب اوباما للعالم الاسلامي في القاهرة اضعافا مضاعفة , ليس لما انطوى عليه (فذلك متقادم ولم تعد هنالك ارضية لتطبيقه) بل لانه جاء عشية الحرب على غزة , فاعطى للآلة الدبلوماسية والاعلامية مرتكز لمناقشة (حل الدولتين) المطروح , وطرح (حل ثلاث دول : اسرائيل – مصر – الاردن) لأول مرة , بالاضافة لمتعلقات اخرى لا تقل اهمية كمساءلة ولاء عرب اسرائيل للدولة (التهويد) .. الآن يتذكر الشارع العربي ما حدث بداية العام كحرب شنتها (مصر : مبارك) على غزة .. في حين ان ما حدث اقرب ما يكون الى (حرب شنتها اسرائيل بمساعدة حماس وبالتواطؤ مع الجزيرة على وجود الانسان في غزة وعلى السيادة المصرية والاردنية !)

http://www.jpost.com/servlet/Satellite?cid=1233304665367&pagename=JPost/JPArticle/ShowFull

http://www.latimes.com/news/opinion/commentary/la-oe-savage20jun20,0,3035724.story

http://www.haaretz.com/hasen/spages/1060152.html

http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/7833273.stm

http://www.jpost.com/servlet/Satellite?cid=1233304665367&pagename=JPost/JPArticle/ShowFull



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق