يروي أحد (ضحايا) الحرب الأهلية اللبنانية : (انتهى بنا الأمر عندما تعرضنا لاطلاق نار كثيف الى جانبي مدخل حديقة محاطة بسور اسمنتي , كنا اثنين وقائد المجموعة على جانب ورابعنا على الجانب الآخر , كان متحمس للأنضمام الينا والقائد يصر عليه ان يلزم مكانه , عند لحظة معينة تغلبت حماسته على التزامة فتوجه نحوها , فاصابته رصاصة في رأسه اردته قتيلا , وواصل القائد الحوار : شايف .. ما بتسمع الحكي .. هيك متت)
كان لي حوار مع ابوعياش ضمن "مجموعة عشوائية على الانترنت ومتعلقاتها" وهو الذي امضى حياته في "حي البرازيل" وقريبا من هذه الجماعة "السلفية" ومتحمسا لها , ان لم يكن عضوا فاعلا فيها : (اعرف احد الشهداء الذين استشهدوا في غزوة البلاغ معرفة وثيقة وهو الشهيد ابو عدنان انتظر سأنزل فيديو ... أنا بقوللك شو لزوم الخيل ...أنا شاركت شخصيا في تشييع أحد الشهداء الثلاثة وياريتك في القطاع حتى اريك مكان العملية وبيوت الشهداء واين دفنو ...) , فيما يتعلق بالعلاقة مع "حماس" طرحت "الشيخ أبو بصير الطرطوسي عبد المنعم مصطفى حليمة" للنقاش لأن في الحلقة كان مغاربة وتونسيين ومصريين :
http://www.metransparent.net/old/texts/abu_bassir_on_sheikh_yassin.htm
وموقف ابو عياش هنا (طبعا خلاصة القول واللي تم فهمه من كلامك أن هناك مندسين للغرب وأذنابه من شيوخ ومفتين يريدون تشويه سمعة جماعات اسلامية كلامك جميل بس مش مقنع يعني أنا شخصيا أحترم أحمد ياسين .. أولا لانه نال الشهادة ثانيا في عهده كان حريص بل كان يدعو للوحدة الفلسطينية أما بالنسبة لفكر الشخص الا وهو الاخوان المسلمين , وأنا عندما أحكم علي شخص أو جماعة أحكم عليها بما يرضي ديني أي هل هذه الجماعه تدعو إلي تطبيق شرع الله وسنة نبيه في بلاد المسلمين ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ .. نعود للاخوان :طبعا أنته تعرف أن الحكومات العربية والاسلامية بشكل عام ( علمانية ) أي لاتحكم بشرع الله .. وطبعا كما نعلم بأن المجلس التشريعي أو الشعب أو الشوري يسن القوانين الوضعية بعيدا عن أحكام الله ومن يرضي بتلك القوانين من منظور الاسلام هو ظال ومنحرف عن الشريعة الاسلامية .. يعني ( من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمين ) وأيضا ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) فهنا الاخوان دخلوا المجلس التشريعي ومجلس الشعب ايضا في مصر إذا رضوا بالقوانين العلمانية وإن قالوا دخلنا بهدف التغيير .. وليكن في علمك أن أجهزة حماس (الخوان المسلمين) في قطاع غزة بعد غزوة البلاغ مباشرة والتي نفذها تنظيم جند انصار الله قاموا بإعتقال عدد كبير منهم ولماذا ؟؟؟؟؟؟؟؟ ..وهناك العديد من الجماعات الاسلامية وكلها تدعو الي تطبيق شرع الله ...)
انقطع الاتصال عقب الحادث ؟ ولم يضف ابو عياش (والخطاب العربي بكافة تشكيلاته) اي شيء (اسقاط على الحدث) .. ولكنه ترك اثرا قد يكون مدخل لتفكيك هذا الخطاب : عند مواجهة ابوعياش (أي فلسطيني) بأن الحالة الفلسطينية في الاعوام القليلة الماضية تراجعت عما انجزته على مدار عقود وان امكانية الخروج من هذا المأزق أبعد ما تكون عن الممكن كحقيقة ساطعة , يجيب (يا أخي هيئتك يائس من ها الدنيا) , واذا أصبح ابوعياش ذكرى فاننا سنتذكره بما كان ينهي به كل مشاركة في الحوار: (واكرر مع احترامي لرأيك .. واحترامي للجميع)
ما يميز الخطاب العربي عن غيره من الخطابات المتفاعلة في عصر العولمة هو ان الاغتيال (Character Assassination) ذو حضور قوي "لا مفكر به" وذو شرعية راسخة "غير قابلة للنقاش" (اعادت ايران انتاج "اغتيال السادات" في فيلم أثار ضجة سياسية واجتماعية وتاريخية الأبعاد ولكن سؤال "اخلاقية الاغتيال" لم يطفو على السطح ؟!) لان الاغتيال ممارس في كافة مستويات الخطاب وذو شرعية (لانها في عين المتلقي : In the eye of the beholder) : فعندما يدخل الفضاء حدث "خبر , مقال , صورة , رأي , تعليق ..الخ" يتحرك المتلقي "لا اراديا" باتجاه (نقاط الضعف او القوة) ليغتال (مع او ضد : لا فرق).. ويسجل للعرب اختراع (الاتجاه المعاكس) كطقس "مقدس" لممارسة هذه "الغريزة" اسبوعيا ؟!
تابعت الخبر فور وروده من غزة وعلقت (شهيدة الانسانية الطفلة ذات الثماني سنوات , أما البقية فشهداء ما هاجروا اليه) .. وجلست من حين لأخر أقرأ الالاف التعليقات هنا وهناك (بحثا عن أثر لأبو عياش) .. لم يتأخر الرد طويلا ولكنه جاء من (جيفارا عاشقة حماس) جارة ابو عياش في حي "البرازيل" : (هذول غدروا بالمسؤول الأمني لحماس "الذي ساهم في خطف الجندي الاسرائيلي : شاليط" والبنت طخها اخوها لأنها طلبت منه أن يسلم نفسه)
وفق القانون الامريكي تعتبر حماس منظمة ارهابية (ولا اشكالية في ذلك).. فالمأساة ان حركة السلام والمنظمات الانسانية تعتبر "ولها كامل الحق" حماس (صنيعة اسرائيل : رون باول , رالف نادر , كوستينتش , بات بيوكانن... ) وذلك لأن خطابها واعلامها معين لا ينضب للدعاية الاسرائيلية التي تجهض اي محاولة لمساعدة الضحايا (لا بل ان تبرع طارق رمضان بمبلغ بسيط لمنظمة خيرية من المستحيل فصل عملها الانساني عن ضحية في غزة , يمكن دمغه بسهولة (حماس) وفق القانون ليصبح سببا لمنعه من ممارسة وظيفته الاكاديمية , كما هو سبب في منع انغريد ماتسون (رئيسة المجتمع الاسلامي لامريكا الشمالية) من حضور مراسيم تنصيب اوباما كممثلة لدين الى جانب الأديان الأخرى .. رغم استنكار هؤلاء الصريح لخطاب حماس)
أثناء التحضير لزيارة اوباما لمصر اعد نشطاء حركة السلام عريضة (الاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن) : لان ربط الاعتراف الامريكي بمفاوضات لاتنتهي وقبول جانب فلسطيني للاشتراطات المطروحة لن يتم , مؤديا الى تعميق المأساة الانسانية القائمة والمستمرة والمتفاقمة , وتم التطرق لحماس (بأن نصف حكام اسرائيل كانوا على قائمة الارهاب الدولي في فترة ما) .. فالتواصل الانساني مع الشعب الفلسطيني لا يجب ان يكون مرتبط بالسلطة القائمة
في ظل الظروف القاسية التي يعيشها سكان غزة انتجت هذه المجموعة سلسلة فيديوهات ومواد اعلامية أخرى بتكلفة باهضة (سيما الاستعانة بأدوار لتأدية التمثيل ؟!) فغزوة البلاغ "هدفها" انتاج فيديو (شراء خيول وتدريبها والتدرب عليها , وتمرينات للجسد وعلى السلاح , واستطلاع الهدف "برج مراقبة اسرائيلي", ومرافقة الكاميرا للنهاية الدرامية وفق "السيناريو المعد") , وبالاضافة لهذه الفيديوهات تم سلفا اعداد بوسترات لمؤدي دور الشهداء , وهي افضل ما في السوق للآن من الناحية الفنية
وفيلم حماس : عماد عقل (قصة وسيناريو وحوار : الدكتور محمود الزهار) ما هو الا درجة متقدمة في انتاجية هذه السوق الذي اسست له القاعدة وتطور الى ان أصبح (امبراطورية اعلامية) : فافغانستان بتاريخها وناسها وآلامها ما هي الا معسكر تدريب لبن لادن والاربعين "ممثل", وكل تجليات "الاسلام السياسي" تتنافس داخل هذه السوق ولكن للجميع مصلحة في استحمار "الضحية" ..(هنالك على الاقل ممثل في فيلم "عماد عقل" أصبح "شهيدا" قبل وصول الفيلم الى صالات العرض , وبدلا من وقف الفيلم تم ادراج اسمه "لغايات تسويقية ربما")
من الصور المؤثرة لمذبحة غزة مطلع هذا العام قصف اسرائيل لحديقة الحيوانات في غزة ومقتل احدها الذي أصبح جزءا حميما من ذاكرة اطفال غزة وأهلها (اما الريان وصيام فقد استشهدا في بيوتهم ومع أهلهم : واستغرب لماذا تصر حماس على ادعاء انهم قضوا في ميدان حرب وليس ساحة مجزرة كما يعرف العالم؟!) .. فترويض الحيوان والتعايش معه هو ارتقاء حضاري للانسانية (وعرقلوصي .. ستفلق أكبادا وتبكي بواكيا) واختراع العرب للسرج واستعمال الجمال لنقل البضائع التجارية يمثل نقطة تحول حضاري في عالم التجارة توازي اختراع العجلة .. كما عنون الاعلام الغربي استشهاد نزار الريان (مقتل قائد حماس وزوجاته الاربعة), فاءنه (سيما لا ضحايا اسرائيلين) حمل غزة مسؤولية (مقتل الخيول) ؟
في روايته الأخيرة (The Mysterious Flame of Queen Loana) يتناول امبرتو ايكو مأساة فامبو الذي استعاد عافيته بعد سكتة قلبية ليجد صعوبة في تذكر زوجته واولاده الذين يبدون له غرباء او حالة ضبابية ولكنه يتذكر كل كتاب قرأه , وكل قصيدة حفظها , وكل قول شهير اعجبه (التعليم , اللوحات الفنية , اول راديو ...الخ) .. أوليست هذه ازمة الخطاب العربي بكافة مدارسه (يزداد عقما وتقوقعا وانفصالا عن نبض الحياة : تأويلا وترفعا ومزايدة)
http://www.foreignpolicyjournal.com/2009/08/08/gaza’s-kite-runners/
http://www.youtube.com/watch?v=BonaXGxHH-k&feature=channel_page
في نفس الفترة التي وقعت فيها الواقعة صرح احمد يوسف "وزير خارجية حماس" للايكونوميست (بلغة اصر ان تكون واضحة ولا لبس فيها على حد تعبير المجلة) قبول حماس بالاشتراطات الدولية , ثم عاد في اليوم التالي لينفي ذلك في (هآرتس) , ويواصل قطار (خالد مشعل) المراوحة في نفس المحطة منذ بدء الخليقة ؟ .. في مكان آخر وفي صراع ابتدأ سياسيا عام 1948 ايضا وعقب مذبحة تتجاوز ما حدث في غزة : أعلن قادة نمور التاميل (لوقف آخر الذرائع التي يسوقها عدونا لذبح شعبنا قررنا اسكات البنادق) .. في حينها كان لدى التاميل عتاد واسلحة ودروع وطيران حربي يتجاوز ما لدى الفلسطينيين أضعافا مضاعفة وكان لديهم جيش من الانتحاريين فالعمليات "الاستشهادية" الموجعة كانت يومية على امتداد الصراع .. قادة حماس واخواتها يدركون ذلك , لا بل لديهم رغبة فيه (لانهم أناس في جوهرهم) ولكنهم كما الجميع ضحايا الخطاب البائس ومحركاته العملاقة (اهلا بأيران النووية؟؟!) فينجذبون للسوق ومسايرة الذوق العام (السام)
1) الديمقراطية (الشرعية) لا تعني ان الغالبية على حق (صواب) , بل تعني ان للغالبية شرعية الحكم
2) الديمقراطية (الشرعية) لا تعني أن الاقلية على باطل (خطأ) , بل تعني ان الاقلية تحترم حكم الغالبية , وتعبر عن نفسها كلما اعتقدت ان الغالبية على خطأ وخاصة عندما تتجاوز الغالبية القانون تصبح الاقلية الممثل لسلطة الشعب : احتكار الغالبية للصوابية أساس كل فساد سياسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق